موكب الشموع

في الحادي عشر من ربيع الاول من كل سنة تشهد سلا مهرجانا فنيا ودينيا فريدا، إنه موسم الشموع او ما يطلق عليه أهل المدينة “دور الشمع”، وهو كرنفال بمناسبة ذكرى المولد النبوي، تحتل فيه الشموع مكانة خاصة، شموع ليست كالتي ألفناها بل هي شموع متنوعة الألوان والأحجام، حيث يصل وزنها إلى 50 كيلوغرام، تصنع وتسبك على هياكل من خشب فتأخذ أشكال قبب أو صوامع أو ما شابه وكل هذا مستوحى من العمارة الإسلامية، فتطرز وتزخرف هذه الهياكل بالشموع وتكتب عليها عبارات إسلامية كـ “الله” و”بركة محمد” وغيرها. وتحمل الشموع بعد صلاة عصر يوم 11 من ربيع الأول، انطلاقا من السوق الكبير قرب دار صانع الشموع في جو من الموسيقى والغناء وقرع للطبول فيمرون من أهم شوارع المدينة إلى غاية ساحة الشهداء ثم بعدها إلى دار الشرفاء، وتستمر الاحتفالات على هذا النحو أسبوعا كاملا.

ويرجع أصل هذه الاحتفالات إلى الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي الذي أعجب باستعراض للشموع شاهده في إسطنبول وذلك قبل توليه الحكم، فقطع عهدا على نفسه لإن تولى حكم المغرب ليصنع مثل ذلك الاستعراض أو أعظم، فما كان منه إلاّ أن صدق وعده بعد تربعه على العرش فكان أول استعراض للشموع سنة 986 هـ بمدينة سلا، ليظل هذا التقليد سمة من سمات المدينة.  
وقد دأبت مدينة سلا على الاحتفاء بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بتنظيم تقليد “الشموع” التي تعلق بضريح الولي الصالح بن حسون عشية ذكرى المولد النبوي الشريف، ويحتفظ بها لمدة 11 شهرا، حيث تنقل من هذا الضريح شهرا قبل حلول الذكرى إلى مقر صانع شموع الأضرحة من عائلة بلكبير قصد تطريزها وزخرفتها من جديد والتي يعهد لها في الوقت الراهن مهمة تطريز وتزيين شموع الموكب، بعدما تعاقبت على صناعة هذه الشموع عدة عائلات كعائلة أوبيا التي ظهرت منذ 450  سنة وعائلات المير والحسيني والمرنيسي وبعدهم عائلة شقرون التي لم تعد تتعاطى لهذه الحرفة.
وتختلف شموع موسم مولاي عبد الله بن حسون عن الشموع العادية الخاصة بالإنارة، باعتبار صنع هياكلها من خشب سميك على شكل مآذن المساجد مكسو بالورق الأبيض والمزين بأزهار الشمع ذات الألوان المتنوعة من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر في شكل هندسي شبيه بشهد النحل يعتمد الفن الإسلامي البديع.
ويستهل موسم الشموع، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس باستعراض موكب الشموع الذي يجوب بعض شوارع سلا في اتجاه ضريح مولاي عبد الله بن حسون  يليه، ليلا، حفل تقليدي أصيل “رقصة الشمعة” على نغمات الموسيقى الأندلسية ثم تليه عملية إيقاد الشموع على نغمات المسموع.
ويفتتح الموسم، بعد صلاة عصر اليوم الذي يسبق العيد، فيجتمع الموكب قرب مقر صانع الشموع ويكون في مقدمته نقيب الزاوية الحسونية ثم “الطبجية” بزيهم التقليدي وهم يطوفون في أزقة المدينة حاملين الشموع وتصحبهم أجواق الموسيقى من فرق صوفية وفلكلورية.
ويجوب الموكب أهم شوارع المدينة مرورا بساحة الشهداء (باب بوحاجة) حيث المنصة الرسمية، ليواصل طريقه إلى دار الشرفاء لتنظيم حفل تقليدي يلقى إقبالا كبيرا، ولاسيما من لدن النساء والأطفال.
غير أن انتهاء استعراض موكب الشموع لا يعني اختتام الموسم، فبعد الطواف تقام مأدبة عشاء يدعى لها جميع المشاركين بدار الشرفاء من نساء وأطفال، ليلتحق الجميع بزاوية مولاي عبد الله بن حسون، لمتابعة “رقصة الشمعة” على نغمات الموسيقى الأندلسية وتنشد إثر ذلك أمداح نبوية.

cires2